كيف يتنفس رواد الفضاء خارج الأرض؟
عندما ننظر إلى السماء ونتأمل النجوم والكواكب، قد يتبادر إلى أذهاننا سؤال في غاية الأهمية: كيف يستطيع رواد الفضاء العيش والتنفس في الفضاء الخارجي؟ هذا السؤال يثير الفضول، خاصة لدى الأطفال والمهتمين بالعلوم. فالفضاء الخارجي لا يحتوي على هواء مثل الموجود على كوكب الأرض، وبالتالي فإن الإنسان لا يمكنه أن يتنفس فيه بصورة طبيعية. لذا، لجأ العلماء إلى تطوير تقنيات متقدمة معقدة تسمح لرواد الفضاء بالتنفس والعمل والبقاء على قيد الحياة في بيئات لا تحتوي على الأوكسجين. في هذا المقال، سنتعرف على كيفية تنفس رواد الفضاء خارج كوكب الأرض، والتكنولوجيا المستخدمة والمصادر التي تمدهم بالأوكسجين، بالإضافة إلى كيفية التحكم في جودة الهواء داخل المركبات الفضائية ومحطات الفضاء.
الفرق بين الأرض والفضاء من حيث إمكانية التنفس
الهواء الذي نتنفسه على الأرض يتكون من مجموعة من الغازات، أهمها الأوكسجين بنسبة حوالي 21%، ويعد الأوكسجين ضرورياً جداً لقيام الجسم البشري بالعمليات الحيوية. وتوفر الغلاف الجوي للأرض هذه الشروط الملائمة للحياة بفضل الجاذبية التي تحتفظ بالغازات قريبة من سطح الكوكب. في المقابل، لا يوجد غلاف جوي في الفضاء الخارجي، وبالتالي فإن الهواء — بما فيه الأوكسجين — غير موجود هناك. كما أن الضغط الجوي في الفضاء يكاد يكون معدوماً، مما يجعل التنفس غير ممكن بدون وسائل مساعدة.
الخوذة والبدلة الفضائية: أول خط دفاع للتنفس خارج المركبة
عندما يقوم رائد الفضاء بالمشي في الفضاء خارج المركبة أو محطة الفضاء الدولية، فإنه يرتدي بدلة فضائية متقدمة تُعرف بـ “وحدة التنقل خارج المركبة”. هذه البدلة ليست مجرد ملابس، بل هي نظام تقني معقد يشبه مركبة صغيرة مستقلة. تحتوي هذه البدلة على خزانات لأوكسجين مضغوط، ونظم تنقية للهواء، ومراوح لتدفق الغازات، وأجهزة لتنظيم الضغط والحرارة. ويزود النظام الأوتوماتيكي داخل البدلة رائد الفضاء بالأوكسجين اللازم للتنفس، كما يتخلص من غاز ثاني أوكسيد الكربون الذي يزفره الرائد. ويُحفظ الأوكسجين في خزانات مضغوطة تسمح بتزويد الرائد بكمية كافية من الهواء تصل إلى حوالي 6 إلى 8 ساعات أثناء المهام الفضائية.
كيف يتم توفير الأوكسجين داخل مركبات الفضاء؟
داخل المركبات الفضائية مثل كبسولات “دراجون” أو “سيوز”، تعمل أنظمة معقدة لتوفير بيئة معادلة تقريباً للبيئة الأرضية، بما في ذلك توفير الأوكسجين وضغط الهواء المناسب. يُخزَّن الأوكسجين عادة في خزانات عالية الضغط داخل المركبة، ويتم ضبط معدلات إطلاقه بعناية لتكوين جوّ داخلي غني بالأوكسجين ويطابق ضغط الهواء المناسب للجسم البشري. بالإضافة إلى الأوكسجين، تحتوي المركبات الفضائية على أنظمة مراقبة مستمرة لجودة الهواء، وتكنولوجيا تمتص ثاني أوكسيد الكربون وتمنع تراكمه، ما يضمن سلامة الرُّواد.
هل تعلم؟ يستخدم رواد الفضاء معدل تنفس مماثل لما يستخدمه البشر على الأرض، أي حوالي 0.84 كغ من الأوكسجين يومياً لكل فرد.
محطة الفضاء الدولية وأنظمة دعم الحياة
محطة الفضاء الدولية (ISS) هي واحدة من أكثر البيئات تعقيداً في مجال استضافة الإنسان في الفضاء لفترات طويلة. لضمان استمرارية التنفس والعيش، تحتوي المحطة على أنظمة دعم حياة متقدمة مثل نظام توليد الأوكسجين الكهروكيميائي (Oxygen Generation Assembly). هذا النظام يستخدم تقنية التحليل الكهربائي لتقسيم جزيئات الماء (H2O) إلى أوكسجين وهيدروجين. يتم إطلاق الأوكسجين داخل الكبسولة ليستنشقه الرواد، بينما يُطرد الهيدروجين خارج المحطة إلى الفضاء.
لكن هذا النظام ليس الوحيد، بل توجد أنظمة احتياطية تعتمد على اسطوانات أوكسجين مضغوط يتم إرسالها من الأرض عند كل رحلة تموينية، وذلك تحسباً لأي خلل تقني قد يحدث.
إعادة تدوير الهواء وإزالة ثاني أوكسيد الكربون
عملية التنفس لا تقتصر على استنشاق الأوكسجين فقط، بل تشمل أيضاً إخراج غاز ثاني أوكسيد الكربون (CO2)، الذي إذا زاد تركيزه في الفضاء المغلق، فقد يؤدي إلى التسمم أو فقدان الوعي. لذلك، تستخدم محطات الفضاء وحدات متخصصة تُعرف بوحدات إزالة ثاني أوكسيد الكربون. ومن أهم هذه الوحدات نظام “بالعازل الحيوي”، الذي يحتوي على مواد كيماوية تمتص غاز CO2 بشكل فعال من الهواء الداخلي وتمنع تراكمه.
وفي السياق ذاته، تعمل بعض أنظمة دعم الحياة في المحطات على إعادة تدوير الهواء والماء بحيث تُستخدم نفس الموارد عدة مرات، مما يقلل الحاجة لإرسال كميات كبيرة من الأوكسجين والماء من الأرض.
ما هو مستقبل تنفس الإنسان في الفضاء؟
تسعى وكالات الفضاء مثل “ناسا” و”وكالة الفضاء الأوروبية” إلى تطوير أنظمة أكثر كفاءة واستدامة لضمان تنفس الرواد خلال المهمات الطويلة في الفضاء، مثل الرحلات إلى القمر والمريخ. وتشمل هذه المشاريع تقنيات الزراعة الفضائية التي يمكن من خلالها استخدام النباتات لتوليد الأوكسجين وامتصاص ثاني أوكسيد الكربون، تماماً كما يحدث في الطبيعة على الأرض.
هناك اتجاه أيضاً لتطوير “أنظمة حيوية مغلقة” تُحاكي النظام البيئي الطبيعي، وتقوم بإنتاج الأوكسجين من خلال الطحالب الدقيقة والبكتيريا المفيدة. وبهذا يمكن لرائد الفضاء مستقبلاً أن يعيش في بيئة مغلقة تماماً يتم فيها تدوير كل عنصر حيوي بشكل طبيعي ومستدام.
ماذا يحدث إذا توقفت إمدادات الأوكسجين؟
في حالة حدوث عطل مفاجئ في نظام الأوكسجين، هناك بروتوكولات طارئة يتم اتباعها على الفور. تحتوي مركبات الفضاء والمحطات على أجهزة استشعار ترسل تنبيهات صوتية وإشارات ضوئية لتحذير الطاقم. ويمكن للطاقم ارتداء أقنعة أوكسجين محمولة أو اللجوء إلى أنظمة الأوكسجين الاحتياطي، والمعروفة باسم “الأوكسجين الكيميائي”، حيث يتم توليده من خلال تفاعل كيماوي يُنتج غاز الأوكسجين بشكل مؤقت وكافٍ للسيطرة على الأزمة.
معلومة سريعة: تحتوي كل بدلة فضائية على مخزون أوكسجين يكفي لمدة 8 ساعات، وإذا أُضيف لها نظام احتياطي، قد تزيد المدة إلى 30 دقيقة إضافية.
الملاءمة التعليمية للأطفال والمعلمين
فهم الكيفية التي يتنفس بها رواد الفضاء فرصة رائعة لإثارة اهتمام الطلبة بالعلوم، حيث يمكن استخدام هذا الموضوع في دروس العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة. من خلال محاكاة بسيطة باستخدام نماذج البدلات الفضائية، أو إجراء تجارب صغيرة لشرح عملية التحليل الكهربائي، يمكن توضيح المفاهيم بطريقة تصلح لجميع الفئات العمرية.
كما يمكن للأهل والمعلمين تشجيع الطلاب على التفكير في كيفية العيش على كواكب أخرى، كوسيلة لإعدادهم لمستقبل قد يشمل حياة بشرية في الفضاء. وتُعد هذه القضية أداة فعالة لتعزيز مهارات التفكير النقدي والابتكار لدى التلاميذ وتشجيعهم على متابعة المسارات العلمية في المستقبل.
خاتمة تعليمية
في الختام، يُعَدّ تنفس رواد الفضاء في الفضاء الخارجي من أبرز التحديات التي تغلب عليها الإنسان بفضل العلوم والهندسة الحديثة. فمن خلال تطوير أنظمة الضغط والتهوية، وإعادة تدوير الهواء، واستخدام التحليل الكهربائي للماء، أصبح بمقدور الإنسان الحياة والعمل في المكان الذي لا يمكن فيه التنفس طبيعياً. وتُمثل هذه التقنيات منجزات علمية عظيمة يمكن الاستفادة منها ليس فقط لأغراض الفضاء فحسب، بل أيضاً في البيئات الوعرة على سطح الأرض مثل الغواصات والملاجئ تحت الأرض. ومن الممكن أن يلهم هذا المجال الأطفال والطلاب لاستكشاف المزيد عن علوم الفضاء وتقنيات الحياة المستقبلية خارج الكوكب.

