لمحة عن المقال
الزلازل: ما هي وأسباب حدوثها؟
الزلازل هي إحدى الظواهر الطبيعية التي عرفها الإنسان منذ القدم، وقد أثرت عبر العصور على حياة البشر والبيئة والعمران. تحدث الزلازل نتيجة لتحرك مفاجئ للصخور في باطن الأرض، وتطلق طاقة هائلة تؤدي إلى اهتزاز سطح الأرض لفترة وجيزة. وتختلف شدة هذه الزلازل من بسيطة لا يشعر بها الإنسان، إلى قوية تدمر مدناً كاملة. لفهم هذه الظاهرة، لا بد من التعمق في مكوناتها، أسبابها، وآثارها، وكذلك سبل الوقاية منها، خاصةً أن الزلازل تعتبر من الظواهر التي يصعب التنبؤ بها.
ما هو الزلزال؟
الزلزال، ويُعرف أحياناً بالهزّة الأرضية، هو حركة مفاجئة وسريعة لقشرة الأرض، ناتجة عن انزلاق الصخور تحت السطح. تبدأ هذه الحركة عادة من نقطة تسمى “بؤرة الزلزال” الموجودة في عمق الأرض، وتنتشر منها على شكل موجات زلزالية تصل إلى سطح الأرض وتؤدي إلى اهتزازه. وتكون نقطة سطح الأرض الأقرب إلى بؤرة الزلزال هي أكثر المواقع تضرراً، وتُعرف باسم “مركز الزلزال السطحي”. تختلف الزلازل في شدتها وعمقها وموقعها، مما يؤثر على نطاق الدمار الذي تخلّفه.
أسباب حدوث الزلازل
ترتبط الزلازل ارتباطاً وثيقاً بحركة صفائح الأرض التكتونية. الأرض مكونة من عدة صفائح كبيرة تطفو فوق طبقة نارية لزجة تُسمى “الوشاح”. عندما تتحرك هذه الصفائح نتيجة لقوى داخلية في باطن الأرض، تتسبب في ضغوط كبيرة على حدود الصفائح. يمكن أن تنتج الزلازل عن عدة أنواع من الحركات:
١- زلازل تكتونية
وهي أكثر أنواع الزلازل شيوعاً، وتنجم عن احتكاك الصفائح التكتونية ببعضها. عندما تحتك صفيحتان، تتراكم الطاقة نتيجة الضغط، ومع مرور الوقت تتحرر هذه الطاقة بشكل مفاجئ مسببة زلزالاً. ومن أشهر الأماكن التي تحدث فيها هذه الأنواع من الزلازل هي المناطق القريبة من الحدود بين الصفائح مثل “حزام النار” حول المحيط الهادئ.
٢- زلازل بركانية
تحدث هذه الزلازل نتيجة لحركة الصهارة (الحمم البركانية السائلة) داخل البراكين. عندما ترتفع الصهارة في باطن الأرض، تضغط على الصخور المحيطة مسببة كسرها وبالتالي حدوث زلازل، وغالباً ما تسبق هذه الزلازل ثوران البركان.
٣- زلازل ناتجة عن النشاط البشري
في بعض الأحيان، قد تتسبب أنشطة البشر، مثل تفجير المناجم أو حفر الآبار العميقة لاستخراج النفط أو الغاز، في حدوث زلازل صغيرة. كما وُجد أن تخزين كميات كبيرة من المياه خلف السدود قد يؤدي إلى تغيير في الضغط الأرضي، مسبباً زلازل طفيفة.
أنواع الموجات الزلزالية
عندما يحدث الزلزال، تتولد موجات زلزالية تنتشر من بؤرة الزلزال عبر الأرض. وتنقسم هذه الموجات إلى أنواع متعددة:
١- الموجات الأولية (P-waves)
هي أولى الموجات التي تصل إلى سطح الأرض. تنتقل بسرعة عالية وتتحرك على شكل انضغاط وتمدد للصخور، وتمتاز بأنها الأسرع لكنها الأقل تدميراً.
٢- الموجات الثانوية (S-waves)
تصل بعد الموجات الأولية، وتتحرك بشكل عمودي على اتجاه انتشارها. هي أبطأ من الموجات الأولية ولكنها أقوى تأثيراً من حيث إحداث الضرر.
٣- الموجات السطحية
تنتقل فقط على سطح الأرض وتسبب معظم الدمار الذي يصاحب الزلازل، مثل انهيار المباني وتدمير الطرق، وتعتبر الأبطأ والأكثر خطورة بين أنواع الموجات.
كيفية قياس الزلازل
لقياس الزلازل، يستخدم العلماء جهازاً يُطلق عليه اسم “السيزموجراف”، وهو جهاز حساس جداً يرصد حركات الأرض وتسجيلها بدقة. ويُستخدم مقياسان أساسيان لوصف الزلازل:
١- مقياس ريختر
يُستخدم مقياس ريختر لتحديد قوة الزلزال، أي كمية الطاقة المنبعثة منه. وتتراوح درجاته من أقل من ١ (لا يمكن الشعور به) إلى أكثر من ٩ (زلزال كارثي). وهذا المقياس لوغارتمي، أي أن كل درجة تُمثل زيادة في الطاقة بمقدار عشرة أضعاف.
٢- مقياس ميركالي
يُستخدم هذا المقياس لتحديد شدة الزلزال حسب الأثر الذي يتركه على الناس والمباني والطبيعة. ويتكون من ١٢ درجة، تبدأ من درجة ١ (لا يشعر به إلا القليل) وتنتهي بدرجة ١٢ (دمار شامل).
المناطق الأكثر تعرضاً للزلازل
تحدث الزلازل في جميع أنحاء العالم، لكن بعض المناطق تُعد أكثر عرضة لهذا النوع من الكوارث بسبب موقعها الجغرافي على حواف الصفائح التكتونية. ومن أبرز هذه المناطق:
١- اليابان: تقع على تقاطع أربع صفائح تكتونية، وتُعد من أكثر دول العالم تعرضاً للزلازل.
٢- إندونيسيا وتركيا وإيران: تقع ضمن ما يُعرف بـ “حزام الزلازل”.
٣- الساحل الغربي للولايات المتحدة (كاليفورنيا): يمتد عليه صدع سان أندرياس، وهو من أشهر الصدوع الزلزالية في العالم.
آثار الزلازل على الإنسان والبيئة
يمكن أن تتسبب الزلازل، خاصة القوية منها، في أضرار جسيمة للمدن والسكان. من أهم هذه الآثار:
١- الخسائر البشرية
قد تتسبب الزلازل في وفاة العديد من الناس، خاصة إذا حدثت في مناطق كثيفة السكان أو كان البناء غير مقاوم للصدمات الزلزالية.
٢- تدمير البنية التحتية
تؤدي الزلازل إلى انهيار المباني، تدمير الطرق والجسور، إلحاق أضرار بالماء والكهرباء والاتصالات، مما يصعب عمليات الإنقاذ ويزيد من حجم الكارثة.
٣- تغييرات جيولوجية
قد تُحدث الزلازل تغيرات في طبيعة الأرض مثل ظهور شقوق، تغيير مسار الأنهار، وحتى حدوث ارتفاعات أو هبوطات في مناطق جغرافية معينة.
كيف نحمي أنفسنا أثناء الزلازل؟
رغم أنه لا يمكن التنبؤ بموعد وقوع زلزال بشكل دقيق، إلا أن هناك نصائح واحتياطات يمكن أن تقلل من الأضرار وتساعد على النجاة. من هذه النصائح:
١- أثناء الزلزال
إذا كنت داخل مبنى، من الأفضل البقاء في الداخل، والاحتماء تحت طاولة أو مكتب متين، أو بجانب جدار داخلي. إذا كنت خارج المبنى، يجب الابتعاد عن الجدران والنوافذ والأبراج والأشجار والانبطاح في مكان مفتوح.
٢- بعد الزلزال
يجب تفقد النفس والآخرين للتأكد من عدم وجود إصابات، وتوخي الحذر من الحطام والزجاج المكسور. كما يُنصح بقطع مصادر الغاز والماء والكهرباء لتفادي أي حرائق أو تسريبات.
التوعية الزلزالية في المدارس
تلعب المدارس دوراً مهماً في إعداد الأطفال لمواجهة الكوارث الطبيعية مثل الزلازل. فمن خلال التمارين والبرامج التعليمية، يتعلم الطلاب كيفية التصرف وقت حدوث الزلزال، وأهمية الاستعداد النفسي والبدني. كما ينبغي تدريب الكادر التعليمي وتوفير خطط إخلاء واضحة ومجهزة بإرشادات السلامة.
دور العلم في فهم الزلازل
أسهمت التكنولوجيا الحديثة في تقدم علم الزلازل بشكل كبير. فبفضل الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار، يمكن للعلماء تتبع حركة الصفائح الأرضية ورصد الزلازل حتى في قاع المحيطات. كما تعمل مراكز البحوث حول العالم على تطوير طرق للتنبؤ بالزلازل وتعزيز طرق البناء المقاوم لها.
خاتمة علمية
الزلازل ظاهرة طبيعية تؤثر على حياة ملايين الناس حول العالم، وتتطلب منا فهماً علمياً دقيقاً ووعياً مجتمعياً فعالاً. من خلال التعليم المدرسي والتدريب المنزلي والتحصين الإنشائي، يمكننا تقليل الخسائر البشرية والمادية الناتجة عنها. ورغم أن الزلازل لا يمكن منعها، إلا أن التعاون بين الجهات التعليمية والعلمية والمجتمعية يمكن أن يجعل مجتمعاتنا أكثر أماناً واستعداداً لمواجهتها.