كيف يعيش رواد الفضاء في الفضاء؟
يُعتبر الفضاء الخارجي أحد أكثر البيئات غموضًا وتحديًا للبشر، فلا يوجد فيه هواء للتنفس، ولا جاذبية كما على الأرض، كما أن درجات الحرارة فيه قد تكون شديدة لدرجة لا تحتمل. ومع ذلك، استطاع الإنسان بفضل التقدم العلمي والتكنولوجي أن يرسل رواد فضاء إلى هذا العالم البعيد، ليبقوا هناك أيامًا وشهورًا في محطات فضائية تدور حول كوكب الأرض. هذا المقال يهدف إلى تعريف الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور بطريقة حياة رواد الفضاء في الفضاء، وأهم التحديات التي يواجهونها، والوسائل التي يستخدمونها لتجاوز تلك التحديات.
المحطة الفضائية: المنزل المؤقت في الفضاء
لا يمكن لرواد الفضاء العيش في الفضاء المفتوح، لذلك يتم إرسالهم إلى محطات فضائية مثل “محطة الفضاء الدولية” التي تُعتبر حاليًا أكبر وأهم مختبر في مدار الأرض. هذه المحطة تعمل كنظام حياة متكامل يوفر للرواد الهواء والماء والطعام والكهرباء والاتصال مع الأرض، وتدور حول الأرض بسرعة 28,000 كيلومتر في الساعة، ما يجعلها تكمل دورة كاملة حول الكوكب كل 90 دقيقة تقريبًا. صُممت المحطة بحيث يعيش بداخلها عدد من الرواد بشكل آمن ومريح نسبيًا لمدة تصل إلى عدة أشهر.
الهواء والتنفس في الفضاء
لا يوجد هواء في الفضاء، ولهذا السبب يحتاج رواد الفضاء إلى نظام خاص لتوفير الأوكسجين. في المحطة الفضائية، يتم إنتاج الأوكسجين بوسائل تقنية مثل تحليل الماء باستخدام الكهرباء لفصل الهيدروجين عن الأوكسجين. كما تحتوي المحطة على أجهزة تنقية للهواء تزيل غاز ثاني أكسيد الكربون والرطوبة الزائدة. وتُتابع هذه الأنظمة بدقة على مدار الساعة للتأكد من بقاء الهواء نقيًا وصالحًا للتنفس. أما أثناء السير في الفضاء خارج المحطة، فيرتدي الرواد بدلة فضائية مزودة بخزان أوكسجين ونظام يعيد استخدام الهواء.
الطعام في الفضاء
يتطلب بقاء الإنسان في الفضاء وجود غذاء مناسب، لكن تخزين الطعام في البيئة الفضائية يشكل تحديًا، حيث يجب أن يكون الطعام خفيفًا، سهل التخزين، وطويل الأمد. لذلك يُحضر الطعام عادةً على شكل معلبات أو مجفف بالتجميد. قبل الأكل، يضيف الرواد الماء الساخن لتسخين أو ترطيب الطعام. توجد العديد من الخيارات الغذائية، مثل الأرز، والدجاج، والأسماك، والفواكه المجففة، وهناك محاولات لإضافة المزيد من التنوع واللذة للوجبات. ومن اللافت أن حاسة التذوق تتغير في الفضاء، فبعض الرواد يشعرون أن الطعام يبدو بلا نكهة، مما يجعلهم يفضلون الأطعمة الحارة مثل الصلصات الحارة والمخللات.
النوم والاستراحة في الجاذبية الصغرى
في الفضاء لا توجد جاذبية كما نعرفها على الأرض، وهذا يعني أن رواد الفضاء لا يمكنهم النوم على سرير بالطريقة المعتادة. بدلاً من ذلك، ينامون داخل كيس نوم متصل بجدران المحطة الفضائية أو أحد أركانها، حتى لا يطيروا أثناء النوم. بينما يطفو جسدهم، يرتدون أحزمة أو يربطون الكيس لتثبيت أنفسهم. بالرغم من ضعف الجاذبية، فإن أجسامهم تحتاج إلى النوم المنتظم، وغالبًا ما يخصص لكل رائد حوالي ثمان ساعات نوم يوميًا. وتتم إضاءة وإطفاء أضواء المحطة وفق دورة ثابتة لمحاكاة ليل ونهار الأرض للتمكن من تنظيم الساعة البيولوجية.
النظافة الشخصية والاستحمام
بسبب انعدام الوزن، لا يستطيع الرواد الاستحمام بالماء الجاري كما نفعل نحن على الأرض، لأن الماء سينتشر في الهواء على هيئة قطرات صغيرة قد تسبب خطورة للأجهزة، أو تدخل في العينين والأنف. بدلاً من ذلك، يستخدم الرواد مناشف مبللة، وشامبو لا يحتاج إلى شطف، وفرشاة أسنان عادية مع كمية قليلة من الماء. كما تتم إزالة الأوساخ عن طريق المسح والتنظيف باستخدام المناديل الخاصة والمطهرات. وتُجمع النفايات والملابس المتسخة في أكياس محكمة الإغلاق، وتُرسل مع البعثات العائدة إلى الأرض عند الإمكان.
التمارين الرياضية والحفاظ على الجسم
الجاذبية الأرضية تلعب دورًا مهمًا في تقوية العضلات والعظام، ولكن في الفضاء، بسبب انعدام الوزن، لا يواجه الجسد القوة الطبيعية التي يحتاجها للحفاظ على قوته. لهذا السبب، يؤدي الرواد تمارين يومية تصل إلى ساعتين، باستخدام معدات مصممة خصيصًا للعمل تحت ظروف انعدام الجاذبية. من هذه الأجهزة جهاز الجري (المثبت بالأحزمة) والدراجات الثابتة وأجهزة تمرين المقاومة. تساعد هذه التمارين في تقليل فقدان الكتلة العضلية وكثافة العظام، وتحافظ على لياقة الرواد الصحية.
الاتصال مع الأرض والحياة الاجتماعية
يعاني رواد الفضاء من نوع من العزلة، فهم بعيدون عن عائلاتهم وفي مكان ضيق ومحاط بجدران. ولهذا يُعد التفاعل الاجتماعي والاتصال مع العالم الخارجي ضروريًا للحفاظ على حالتهم النفسية. يستخدم الرواد الحواسيب والكاميرات والتكنولوجيا الرقمية للتحدث مع عائلاتهم عبر الفيديو أو الرسائل، كما يتواصلون بانتظام مع العلماء ومهندسي التحكم في الأرض. وفي أوقات الفراغ، يمكنهم مشاهدة الأفلام، قراءة الكتب الإلكترونية، لعب بعض الألعاب، أو النظر من نوافذ المحطة لاستكشاف جمال الأرض والنجوم.
السير في الفضاء والعمل خارج المحطة
أحيانًا يحتاج رواد الفضاء إلى الخروج من المحطة الفضائية لإجراء صيانة أو تجارب علمية، ويُعرف ذلك بـ “السير في الفضاء”. قبل الخروج، يرتدون بدلات فضائية خاصة توفر التدفئة والتبريد والهواء والضغط المناسب. وتستغرق عملية الخروج والسير عادةً عدة ساعات، ويكون الرواد مربوطين بالمحطة بواسطة حبال أمان، بالإضافة إلى وجود محركات صغيرة للتحكم بالحركة. يعتبر هذا النوع من الأعمال من أخطر المهام الفضائية، ويتطلب تدريبًا طويلًا على الأرض يحاكي ظروف انعدام الجاذبية.
العلم والعمل في الفضاء
لا يذهب رواد الفضاء إلى الفضاء للعيش فقط، بل يقضون معظم وقتهم في تنفيذ تجارب علمية وهندسية على متن المختبرات الفضائية. تشمل هذه التجارب مجالات مثل الطب، وتكنولوجيا المواد، وعلم النبات، والفيزياء، ودراسة تأثير الفضاء على الجسم البشري، بالإضافة إلى مراقبة الأرض والبيئة والكوارث الطبيعية. تساهم هذه الأبحاث في تطوير الحياة على كوكب الأرض وفي دعم خطط السفر إلى كواكب أخرى مثل المريخ.
العودة إلى الأرض والتعافي
بعد انتهاء المهمة، يعود رواد الفضاء إلى الأرض مستخدمين مركبات فضائية مزودة بدرع حراري لتحمل الحرارة الناتجة عن دخول الغلاف الجوي. عند الهبوط، يشعر الرواد بتعب واضطراب في التوازن بسبب التغير المفاجئ في الجاذبية، وقد يحتاج بعضهم إلى المساعدة للمشي في الأيام الأولى. يمر الرواد بفترة تأهيل عدة أسابيع لاستعادة القوة العضلية وكثافة العظام والتوازن، وتُجرى لهم الفحوصات النفسية والجسدية للتأكد من عودتهم إلى الحالة الطبيعية.
كمعلومة تعليمية: إن رواد الفضاء ليسوا فقط من الرجال، بل تشارك النساء أيضًا في المهمات الفضائية، ويؤدين نفس التدريبات والمهام بدقة وكفاءة. كما توجد مهام فضائية بمشاركة جنسيات متعددة، مما يُعزز التعاون الدولي في استكشاف الفضاء.
خاتمة علمية
الحياة في الفضاء ليست سهلة، فهي مليئة بالتحديات، مثل انعدام الجاذبية، والصعوبات في التنفس والنوم والطعام والنظافة. ومع ذلك، تمكن الإنسان من تصميم تقنيات ذكية تُمكن رواد الفضاء من العيش والعمل في هذه البيئة الصعبة. إن دراسة كيفية حياة رواد الفضاء لا تُعلمنا فقط عن الكون من حولنا، بل تُساعدنا على اكتشاف حدود القدرات البشرية، وتشجع الأطفال والشباب على التفكير في المستقبل العلمي، وربما يرغب بعضهم في أن يصبحوا روّاد فضاء يومًا ما ليساهموا في رحلات استكشاف جديدة نحو المريخ أو أبعد من ذلك.