تُعد المياه الجوفية من أهم الموارد الطبيعية التي يعتمد عليها الإنسان في حياته اليومية، وتلعب دورًا كبيرًا في تلبية احتياجات الزراعة والصناعة والاستهلاك البشري. فالمياه الجوفية هي المياه التي تتجمع تحت سطح الأرض في الفراغات بين الصخور والتربة، والتي تُختزن في طبقات تُعرف باسم “الخزانات الجوفية”. وهي تأتي في الغالب من مياه الأمطار والثلوج التي تتسرب إلى باطن الأرض مرورًا بالتربة والطبقات الرملية الحاملة للمياه، أو ما يسمى بـ”المناطق المشبعة”، والتي يمكن استخراجها لاحقًا باستخدام الآبار والمضخات.
كيف تتكوّن المياه الجوفية؟
تبدأ دورة المياه الجوفية عندما تسقط الأمطار أو تتساقط الثلوج على سطح الأرض. جزء من هذه المياه يتبخر مرة أخرى إلى الجو، وجزء آخر يجري على سطح التربة ليصب في الأنهار والبحيرات، بينما يتسرب جزء من المياه إلى باطن الأرض عبر التربة والصخور المسامية. وعندما تغوص المياه داخل الأرض، فإنها تملأ الفراغات الموجودة بين حبيبات الرمل أو الشقوق في الصخور. هذا الماء المتجمع يُسمى “الماء الجوفي”. ويستقر في ما يسمى بالمنطقة المشبعة، وهي الطبقة التي تكون كل فراغاتها مملوءة بالماء.
وتقع المياه الجوفية عادة تحت طبقة تُعرف بـ”منطقة التهوية”، وهي منطقة تحتوي جزئيًا على هواء وماء، فوقها مباشرة. ويُطلق على الحد الفاصل بين المنطقتين اسم “مستوى الماء الجوفي”، وهو يتغير باستمرار حسب كمية المياه التي تدخل أو تُستَخرج من الخزان الجوفي.
أهمية المياه الجوفية
تُعتبر المياه الجوفية مصدرًا حيويًا للماء في العديد من المناطق حول العالم، خصوصًا في الأماكن التي تندر فيها الأنهار والبحيرات أو التي تعاني شحًا في هطول الأمطار. وهي تمثل ما نسبته حوالي 30% من المياه العذبة على سطح الأرض، وتستخدم لأغراض متعددة أهمها الشرب وري المحاصيل الزراعية وتزويد المصانع بالمياه اللازمة في عمليات الإنتاج.
1. الشرب والاستخدام المنزلي: تعتمد العديد من القرى والمدن الصغيرة على الآبار لاستخراج المياه الجوفية لتلبية احتياجات السكان من مياه الشرب والطهي والاستحمام والتنظيف. فالمياه الجوفية في كثير من الأحيان تكون أنقى من مياه الأنهار والسطوح لأنها تُصفّى خلال مرورها في التربة.
2. الزراعة: تلعب المياه الجوفية دورًا جوهريًا في ري الحقول والمزارع، وخصوصًا في المناطق الجافة وشبه الجافة التي لا تعتمد إلا على مصادر مياه الجوف. يستخدم المزارعون أنظمة الضخ والري المختلفة لاستخراج المياه من الآبار لري محاصيلهم طوال السنة، مما يساهم في ضمان الأمن الغذائي.
3. الصناعة: تحتاج الكثير من المصانع إلى كميات ضخمة من المياه في عمليات التصنيع، كالتبريد والغسيل والنقل الكيميائي. وتُعد المياه الجوفية خيارًا موثوقًا وثابتًا لتلبية هذه المتطلبات، وخصوصًا عندما تكون المصادر السطحية غير متوفرة.
4. الحفاظ على التوازن البيئي: تسهم المياه الجوفية في الحفاظ على رطوبة التربة وعلى صحة النباتات والأشجار. كما تدعم الكثير من النظم البيئية مثل الواحات والمستنقعات التي تعتمد بالكامل على ارتفاع منسوب المياه الجوفية.
أنواع المياه الجوفية
ليست كل المياه الجوفية على درجة واحدة من الجودة والعمق، وهناك عدة أنواع تختلف بحسب مصدرها وطريقة تكوينها وخواصها الجيولوجية والهيدرولوجية، ومنها:
1. المياه الجوفية السطحية: وهي التي تقع في أعماق قليلة تحت سطح الأرض، ويمكن الوصول إليها بسهولة عبر حفر آبار ضحلة. وتكون هذه المياه قريبة من مصادر التلوث إذا لم تُحمى بشكل كافٍ، لكنها تعد المصدر الأكثر شيوعًا في المناطق الريفية.
2. المياه الجوفية العميقة: توجد في أعماق بعيدة وتحتاج إلى آبار عميقة وتقنيات متقدمة لاستخراجها. وغالبًا ما تكون هذه المياه أنقى من السطحية لكنها قد تحتوي على أملاح أو معادن مثل الحديد والمنغنيز.
3. المياه الحامية (الساخنة): توجد في بعض المناطق البركانية أو التي تشهد نشاطًا حراريًا أرضيًا، وتتميز بدرجات حرارة مرتفعة. تُستخدم أحيانًا في السياحة العلاجية أو في توليد الطاقة الحرارية من باطن الأرض.
أين توجد المياه الجوفية؟
توجد المياه الجوفية في جميع أنحاء العالم، وتختلف كميتها من منطقة إلى أخرى حسب التضاريس وكمية هطول الأمطار والخصائص الجيولوجية للتربة والصخور. في المناطق الصحراوية الجافة مثل شمال أفريقيا والشرق الأوسط، تُعد المياه الجوفية المورد الرئيسي للمياه، وتوجد عادة في ما يسمى بـ”الخزانات الجوفية القديمة” أو “المياه الأحفورية”، وهي مياه تراكمت منذ آلاف السنين عندما كانت المنطقة أكثر رطوبة. أما في المناطق الرطبة والمعتدلة، فتكون المياه الجوفية متجددة وتُعاد تعبئتها سنويًا بمياه الأمطار والثلوج المتسربة إلى باطن الأرض.
وغالبًا ما ترتبط جودة المياه الجوفية بطبيعة الصخور الموجودة في المنطقة؛ فإن كانت الصخور مكونة من الجير أو الحجر الرملي فقد تكون المياه جيدة، بينما إذا كانت تحتوي على كبريتات أو أملاح فقد تحتاج إلى معالجة قبل استخدامها.
طرق استخراج المياه الجوفية
يُستخدم الإنسان عدة طرق لاستغلال المياه الجوفية حسب عمقها ومكانها ووفرتها، من أبرزها الآبار التي تُحفر يدوياً أو آلياً لاستخراج المياه من باطن الأرض. وتُستخدم المضخات اليدوية أو الكهربائية لضخ المياه إلى السطح. يمكن تقسيم طرق استخراج المياه الجوفية إلى النوعين التاليين:
1. الآبار التقليدية: وهي آبار تُحفر يدويًا في القرى والمناطق الريفية، وتُستخدم فيها الدلاء أو الروافع اليدوية لجلب المياه. وتناسب الخزانات القريبة من سطح الأرض.
2. الآبار الأنبوبية أو العميقة: تستخدم أنابيب فولاذية ومضخات كهربائية لاستخراج المياه من أعماق كبيرة، وتستخدم غالبًا في المدن والمزارع الواسعة والصناعات الكبيرة.
التحديات التي تواجه المياه الجوفية
ورغم الفوائد الكبيرة للمياه الجوفية، فهي تواجه تحديات حقيقية قد تهدّد استدامتها في المستقبل. فقد تراجعت مستويات المياه الجوفية في العديد من المناطق بسبب السحب المفرط لا سيما في الزراعة المكثفة أو بسبب الاستخدام العشوائي دون تقنين. ومن أبرز هذه التهديدات:
1. الاستنزاف: يحدث عندما يُستهلك منسوب المياه الجوفية بشكل أسرع مما يمكن تعويضه عبر الأمطار أو المياه المتسربة، مما يؤدي إلى نضوب الخزانات.
2. التلوث: قد تتعرض المياه الجوفية للتلوث بسبب تسرب المواد الكيميائية والمبيدات والأسمدة والمخلفات الصناعية إلى التربة، وهو ما يُؤثر سلبًا على جودة المياه وصحة الإنسان والكائنات الحية.
3. الملوحة الزائدة: سحب كميات كبيرة من المياه الجوفية قرب السواحل قد يؤدي إلى تسرب مياه البحر إلى الخزان الجوفي، مما يجعل الماء غير صالح للشرب أو الزراعة.
كيفية الحفاظ على المياه الجوفية
من المهم جدًا تعليم الأطفال والطلاب أهمية الحفاظ على المياه الجوفية لضمان وجودها للأجيال القادمة. ومن أبرز الإجراءات التي يمكن اتباعها للحفاظ على هذا المورد القيم:
1. ترشيد استهلاك المياه: تجنب الإسراف في استخدام الماء سواء في المنازل أو المدارس أو الحقول، وتشجيع استخدام تقنيات الري الحديثة مثل الري بالتنقيط.
2. حماية التربة من التلوث: بإدارة النفايات السائلة والصلبة بشكل سليم، ومنع تسرب المواد الكيميائية إلى الأرض.
3. إعادة تغذية الخزانات الجوفية: عن طريق إنشاء آبار تغذية وتجميع مياه الأمطار وتوجيهها داخل الأرض بدلاً من فقدانها في السيلان السطحي.
الماء نعمةٌ عظيمة يجب علينا جميعًا حفظها، فهي أساس الحياة لكل كائن حي. ومن واجبنا كمعلمين وأولياء أمور وطلاب أن نتعلم كيف نحافظ على مصادر المياه ونتعامل معها بحكمة ومسؤولية.
المراجع:
-العلماء يدرسون تلوث المياه الجوفية وكيفية ضمان استدامتها
https://www.iaea.org/ar/newscenter/news/lulama-yadrusun-talawuth-lmyah-ljawfya-wakayfya-daman-stidamatiha
–كيف تسهم المياه الجوفية في حماية الأمن الغذائي وتعزيز النمو الاقتصادي