السجع
هو أحد الفنون البلاغية الجميلة التي اشتهرت بها اللغة العربية منذ القدم، ويُعد من أشكال الجمال اللغوي الذي يعطي النص طابعًا موسيقيًا محببًا، ويجذب انتباه السامع أو القارئ، ويُعتبر من أقدم الأساليب التي استخدمها العرب في كتابة الخطب، والرسائل، والمواعظ، والأدعية، ويصب بشكل أساسي ضمن علم البلاغة العربية. يُلائم السجع مختلف الفئات العمرية، ويمكن تقديمه للأطفال الصغار بطرق بسيطة تجذبهم للغة العربية وتقوي مهاراتهم اللغوية، كما أنه يُستخدم في تدريس التعبير، والإنشاء، والإلقاء.
تعريف السجع:
هو توافق نهاية الجمل أو العبارات في الحروف، دون التقيُّد بوزن أو قافية كما هو الحال في الشعر. ويُعرَّف بأنه: “مُوافقة الكلام في الفاصلتين الأخيرتين في الحرف الأخير، دون التزام الوزن الشعري”.
وهو يشبه القافية في الشعر، غير أنه يُستخدم في النثر فقط، وله وقع جميل على الأذن، يجعل النص أسهل حفظًا، وأكثر تأثيرًا.
أنواع السجع:
أربعة أنواع، وهي:
1. السجع المُطَرَّف:
وفيه تختلف الجمل في الطول أو في الكلمات لكن تنتهي بنفس الحرف أو الحروف. مثال:
“الصدق منجاة، والكذب مهواة”.
في المثال أعلاه، نهاية الجملتين تنتهي بـ”اة”، مما يُحدث تناغمًا في النطق ويُعد سجعًا مطرفًا.
2. السجع المتوازي:
ويأتي عندما تتفق كلمة الفاصلة في الوزن وفي نهايتها دون اتفاق باقي الجملة في العدد أو الوزن. مثال:
{فِيْهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ} [الغاشية: 13-14]
3. السجع المشطور:
وهو خاصٌّ بالشعر، وهو: أن يكون لكل شطر من البيت قافيتان مختلفتان عن قافيتا الشطر الآخر، مثاله قول أبي تمَّام:
تَدْبِيرُ مُعْتَصِمٍ، بِاللهِ مُنْتَقِمِ … للهِ مُرْتَغِبٍ، فِي اللهِ مُرْتَقِبِ
4. السجع المرصَّع:
وهو نوع من السجع تأتي فيه كلمات الجملة الأولى موافقة في الوزن والقافية لكلمات الجملة الثانية، كل واحدة مقابل الأخرى، ويكثر في الخطب الرسمية أو الأدعية. مثال:
{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 13-14]
“اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولّنا فيمن توليت”.
هذا النوع يعطي إحساسًا بالوزن والتناغم الكامل بين الجمل.
الأهمية في اللغة العربية:
الزينة اللفظية التي ترفع من مستوى النصوص، وتزيد من وقعها في النفس، وأثرها في المتلقي.
يستخدمه الكُتَّاب والمعلمون والدعاة لجذب الانتباه، وجمال الإلقاء.
ومن أهم الجوانب التي يُفيد فيها:
- التأثير العاطفي والعقلي.
- سهولة الحفظ والتَّذكر.
- جذب الانتباه، وتجميل التعبير.
السجع في القرآن الكريم والحديث النبوي
أولا- القرآن الكريم:
القرآن الكريم نثرٌ معجز تجنب الإطناب في استخدام السجع، لكنه لم يخلُ منه، حيث وردت أنواع من السجع البليغ الذي يحمل معانٍ عظيمة، ومنها قوله تعالى:
{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة، 137].
{وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى: 1-2]
ثانيًا- الحديث النبوي الشريف:
ورد في السنة أقوال نبوية كثيرة تحمل السجع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستخدمه سجيَّة دون قصد أو تكلف. مثال:
“اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِنَ العَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ القَبْرِ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَن زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا”.
في الأمثال والحِكم:
اشتهرت الأمثال العربية بالسجع لسهولة استخدامها وحفظها، وغالبًا ما تعبّر عن تجارب إنسانية بكلمات موجزة وجميلة. ومن أشهر هذه الأمثال:
“الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك”
“من جدّ وجد، ومن سار على الدرب وصل”
“لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد”
السجع في هذه الأمثال يؤدّي إلى قوة الوقع في النفس، ويجعلها قابلة للتداول والتذكّر بين الناس، خاصة الأطفال في المدارس.
في الأدب العربي، والنثر الفني:
برز الاستخدام بكثرة في النثر الفني والرسائل الأدبية، وخصوصًا في عصور الازدهار الأدبي، مثل: العصر العباسي والأندلسي. وكان الكُتَّاب يتفنَّنون في استخدامه ليُظهروا براعتهم اللغوية، ومن ذلك ما كتبه عبد الحميد الكاتب وسهل بن هارون والجاحظ.
من الرسائل المشهورة التي امتلأت بالسجع:
“أما بعد: فقد وصلت رسالتك الطيبة، وسمعت كلماتك العذبة، وسُررت بصدق مكنونك، ودقة مضمونك”.
السجع هنا يمنح الرسالة شكلاً لغويًا راقيًا وجاذبًا للنفس، وهذا النوع من النثر يتعلمه الطلاب تدريجيًّا في المرحلة الثانوية.
الاستخدام في التعليم المدرسي:
يُعتبر من الوسائل التعليمية المهمة التي يمكن للمعلمين استخدامه لتنمية مهارات الطلاب اللغوية. فهو يساعد الطلاب على:
- تحسين مهارة الكتابة والخَطَابة.
- تنسيق الإلقاء، والقراءة الجهرية.
- إثراء المفردات اللغوية.
ومن المهم أن يقدِّم المعلِّم تمارين عملية تساعد الطلبة في التعرف على السجع وتطبيقه، دون تكلُّفٍ أو زيادة.
إرشادات للمعلمين وأولياء الأمور:
عند تقديم مفهوم السجع للأطفال، يُفضل البدء بأمثلة بسيطة وقريبة إلى حياتهم اليومية، مثل: الأمثال والحِكم التي يعرفونها. كما يُنصح باستخدام القصص التي تحتوي على جمَل مسجوعة، وإشراك الطلاب بأنفسهم في تركيب جمَل مشابهة، مع تذكيرهم بعدم التكلف والزيادة حتى لا يكون أثره عكسيًّا.
ومن الوسائل النافعة:
- تشجيع الطلاب على تأليف أناشيد مدرسية بسيطة تحتوي على جمل مسجوعة.
- تمثيل حوارات قصيرة بين التلاميذ فيها انسجام لفظي وسجع.
- قراءة القصص المسجوعة.
ويمكن القول أنه ليس فقط أسلوبًا بلاغيًا، بل هو أسلوبٌ تعليمي وفني يُحبِّب اللغة إلى قلوب الأطفال ويجعلها أكثر جمالًا ومتعةً.
المراجع
- الخطيب القزويني، “الإيضاح في علوم البلاغة”.
- الجاحظ، “البيان والتبيين”.
- د. تمام حسان، “البلاغة العربية: أسسها وعلومها وفنونها”.
- وزارة التعليم بالمملكة العربية السعودية، مقررات لغتي الجميلة للمرحلة الابتدائية.