ما هو الجناس؟

هو أحد المحسنات البديعية في علم البلاغة العربية، ويستخدمه الأدباء والشعراء لإضفاء الجمال والإيقاع على الكلام.

يُعرف بأنه تشابه اللفظين في النطق، واختلافهما في المعنى.

ببساطة، هو أن يأتي في الجملة كلمتان متشابهتان من حيث اللفظ، أو قريبان من بعضهما، ولكن لكل منهما معنى مختلف. هذا التشابه يلفت انتباه السامع، تثير في النفس لذة الجرس والدهشة الفنية.

هو من الزينة اللفظية التي تهدف إلى تحسين النص، وجذب القارئ أو المستمع إليه، وهو يستخدم كثيرًا في الشعر والخطابة، وحتى في النصوص التعليمية والدينية؛ لتسهيل الحفظ، وجعل المعنى محفورًًا في الذهن.

أنواعه:

يمكن تقسيمه إلى نوعين رئيسيين، هما: الجناس التام، والجناس الناقص، بالإضافة إلى بعض الأنواع الفرعية الخاصة التي طورها البلاغيون لاحقًا. وفيما يلي شرح وافي لكل نوع منها، مع أمثلة مبسطة:

1. الجناس التام

يُقصد به أن الكلمتين المتشابهتين في الجملة تتطابقان تمامًا في عدد الحروف، ونوعها، وترتيبها، وحركتها، ولكن تختلفان في المعنى. أي أن وجه التشابه فيه كامل. ويُستخدم هذا النوع بكثرة في الأمثال والأشعار.

أمثلة:

– قال الشاعر: لما سَجَدوا سَجَدَتُ، ولما رَكَعوا رَكَعْتُ.
في هذا المثال، يوجد جناس تام بين “سجدوا” و”سجدت”، و”ركعوا” و”ركعت”، فالحروف متطابقة ولكن المعنى يختلف بحسب الضمائر والتصرفات.

– في قوله تعالى: “ويَومَ تَقُومُ السّاعةُ يُقسمُ المُجرمونَ ما لَبِثُوا غيرَ ساعة” [الروم: 55]،
يوجد جناس تام بين “الساعة” الأولى و”ساعة” الثانية؛ الأولى تُقصد بها القيامة، والثانية مدة زمنية قصيرة.

2. الجناس الناقص

هو: عندما تتشابه الكلمتان في بعض الحروف أو ترتيبها أو عددها، ولكن لا يكون التطابق كاملًا كما في الجناس التام. هذا النوع أكثر انتشارًا في اللغة العربية، ويمثل غالبًا رغبة الكاتب في استخدام جناس لطيف دون أن يُصبح مكررًا إلى درجة الابتذال.

أنواع الجناس الناقص:

  • الناقص باختلاف حرف: أي أن الكلمتين تختلفان في حرف واحد.
  • الناقص باختلاف ترتيب: تُستخدم نفس الحروف ولكن بترتيب مختلف.
  • الناقص باختلاف حركة: تتشابه الكلمتان في الأحرف ولكن تختلفان في التشكيل الصوتي فقط.

أمثلة:

– عِلم العِلم أنفع من مال المال:
يوجد جناس ناقص بين “العِلم” و”العِلم” (الأول بمعنى الإدراك، والثاني بمعنى المعرفة)، و”مال” الأولى كفعل، والثانية كاسم.
– نَسَمَة ونِعمة: تشابه في النطق ولكن يختلف المعنى تماماً.
– قال المتنبي: إذا غامَرْتَ في شرفٍ مَرُومِ * فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ،
يوجد جناس ناقص بين “مروم” (المرغوب) و”النجوم” (أجرام السماء)، فبينهما تشابه صوتي نسبي.

3. الجناس المصحَّف

هو نوع من الجناس الناقص حيث تختلف الكلمتان في نقطة أو أكثر فقط، مثل: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80]

4. الجناس المضارع

وهو نوع من الجناس يكون فيه اختلاف بسيط في حرفين مختلفين ولكن من مخرج واحد من مخارج الحروف، مثل: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ} [الأنعام: 26]

أهميته في اللغة العربية:

هو من العناصر الفنية التي تُبرز جماليات اللغة العربية، وتعزز من المهارات البلاغية لدى المتحدث والكاتب. ويمكن تلخيص أهميته في النقاط التالية:

– تنمية التذوق البلاغي: يساعد على تنمية الحس الجمالي لدى الطلاب، ويشجعهم على ملاحظة الفروق الدقيقة بين الكلمات.
– تعزيز الفهم اللغوي: يُعد وسيلة ممتازة لتمييز المعاني المختلفة لكلمات متشابهة، مما يفيد في زيادة الحصيلة اللغوية.
– تنشيط الذاكرة: يسهل حفظ النصوص التي تحتوي على جناس بفضل الإيقاع الموسيقي الذي يخلقه.
– إثراء الأسلوب الكتابي: يُضفي تنوعًا ومرونة في التعبير، ويُحسّن من قدرات الطالب في التعبير الكتابي.

كيفية تعليمه للأطفال والطلاب:

لتعليمه للأطفال في المراحل الابتدائية والمتوسطة، يُفضل البدء بالأمثلة البسيطة والمألوفة لديهم. ويمكن استخدام الأناشيد والأمثال المألوفة لتقريب المفهوم. على المعلم أن يستخدم أساليب تفاعلية، مثل المسابقات بين الطلاب لتمييز نوع الجناس، أو أن يُكلف الطلاب بإنشاء جملة تتضمن نوعاً معينًا من الجناس.

مثال من الأناشيد التعليمية:
– قال أحد الشعراء الأطفال: أكتبُ بالخط القلم *** أتعلمُ ابن الكرم
يوجد تشابه لفظي بين “القلم” و”الكرم” لكنه يناسب المستوى العمري للأطفال لفهم الجناس الناقص.

في القرآن الكريم:

القرآن الكريم زاخر بالأمثلة التي تحتوي على جناس، مما يدل على بلاغة العربية وثرائها. ومن أمثلته قوله تعالى:

من أبرز الآيات التي تحتوي على الجناس التام:
“ويومَ تَقُومُ الساعةُ يُقسمُ المُجرمونَ ما لَبِثُوا غير ساعة” [الروم: 55]
كما أشرنا سابقاً، كلمة “الساعة” الأولى تعني يوم القيامة، أما الثانية فتدل على مدة زمنية قصيرة.

في الشعر العربي:

كُثر من الشعراء العرب استخدموا الجناس لإثراء أعمالهم، من أمثال المتنبي، وأبي تمام، والبحتري، والمعري، وغيرهم. وكان الجناس وسيلة فنية لتأكيد المعاني أو التضاد وإبراز الصراعات أو المقاربات بين الكلمات.

الناس بالناس مادام الوفاء بهم … والعسر واليسر ساعات واوقات

تمارين تطبيقية للطلاب

لزيادة فهم الطلاب والتّمكن، يجب وضعهم في مواقف تطبيقية وفق مستوياتهم:

التمرين الأول: تمييز الجناس

اقرأ الجمل الآتية، وحدد نوع الجناس في كل منها:

1. نَصرٌ من الله وفتحٌ قريب
2. إذا لم تستحِ فاصنع ما شئتَ
3. سألَ السائلُ عن سُؤالِه
4. نَظرَ إلى النَّظير

التمرين الثاني: إنشاء جملة تحتوي على جناس

اكتب جملة جديدة تحتوي على جناس تام أو ناقص من اختيارك. على سبيل المثال، استخدم كلمات مثل: عَلِمَ، عَلَم؛ بَصَر، بَصيرة؛ حياة، حيّة.

دور المعلمين وأولياء الأمور

يقع على عاتق المعلمين وأولياء الأمور دور كبير في تنمية المهارات اللغوية للأطفال، من خلال تعويد الأذن على الإيقاع اللغوي الجميل، وحثهم على قراءة الأدب العربي القديم والحديث، ومرافقتهم في دروس البلاغة بطريقة مبسطة وحيوية. من خلال الأمثلة، والقصائد، والأمثال، تصبح البلاغة درساً محببًا لا مرهقًا.

يجب التركيز على تحويل الجناس من مجرد مصطلح بلاغي إلى مهارة تطبيقية، تساعد الطالب على الإبداع في الكتابة والخطابة، وتكوين الجمل المؤثرة. ذلك يجعل اللغة العربية مادة ممتعة، تنمي الذوق والأدب معًا.

المراجع

  • الزمخشري، “الكشاف عن حقائق التنزيل”، دار المعرفة، بيروت.
  • ابن الأثير، “المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر”، دار الفكر العربي.
  • د. فاضل صالح السامرائي، “معاني النحو”، مكتبة العبيكان، الرياض.
  • منهج اللغة العربية للمرحلة الإعدادية، وزارة التربية والتعليم.